فصل: فصل: (التصرف في المبيع في مدة الخيار)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد ***


كتاب الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل

الجزء الثالث

كتاب‏:‏ البيع

البيع حلال لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وأحل الله البيع‏}‏ وهو نوعان‏.‏

أحدهما‏:‏ الإيجاب والقبول فيقول البائع‏:‏ بعتك أو ملكتك أو لفظا بمعناهما ثم يقول المشتري‏:‏ ابتعت أو قبلت أو نحوهما فإن تقدم القبول الإيجاب بلفظ الماضي فقال‏:‏ ابتعت هذا منك بكذا فقال‏:‏ بعتك صح لأن المعنى حاصل فأشبه التعبير بلفظ آخر وإن تقدم بلفظ الطلب فقال‏:‏ بعني فقال‏:‏ بعتك صح لأنه تقدم القبول أشبه لفظ الماضي‏.‏

وعنه‏:‏ لا يصح لأنه لو تأخر عن الإيجاب لم يصح فلم يصح متقدما كلفظ الاستفهام وإن أتى بلفظ الاستفهام فقال‏:‏ أبعتني ثوبك‏؟‏ فقال‏:‏ بعتك لم يصح متقدما ولا متأخرا لأنه ليس بقبول ولا استدعاء‏.‏

الثاني‏:‏ المعاطاة مثل أن يقول‏:‏ أعطني بهذا خبزا فيعطيه ما يرضيه أو يقول ك خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه فيصح لأن الشرع ورد بالبيع وعلق عليه أحكاما ولم يعين له لفظا فعلم أنه ردهم إلى ما تعارفوه بينهم بيعا والناس في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك وحكي عن القاضي‏:‏ أنه يصح في الأشياء اليسيرة دون الكثيرة لأن العرف إنما جرى به في اليسير والحكم في الهبة والهدية والصدقة كالحكم في البيع وذلك لاستواء الجميع في المعنى‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏شروط صحة البيع‏]‏

ويشترط له الرضى لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم‏}‏ إلا فيما يجب فإن أكره على بيع غير واجب لم يصح لعدم الرضى المشترط وإن أكره على بيع واجب صح لأنه قول حمل عليه بحق فصح كإسلام المرتد ولا يصح من غير عاقل كالطفل والمجنون والسكران والنائم والمبرسم لأنه قول يعتبر له الرضى فلم يصح من غير عاقل كالإقرار‏.‏

باب‏:‏ ما يجوز بيعه وما لا يجوز

كل عين مملوكة يباح نفعها واقتناؤها من غير ضرورة يجوز بيعها كالمأكول والمشروب والملبوس والمركوب والعقار والعبيد والإماء لقوله تعالى ‏{‏وأحل الله البيع‏}‏ وقد اشترى النبي صلى الله عليه وسلم من جابر بعيرا ومن أعرابي فرسا ووكل عروة بن الجعد في شراء شاة وباع مدبرا وحلسا وقدحا وأقر أصحابه على بيع هذه الأعيان وشرائها‏.‏

ويجوز بيع دود القز وبزره لأنه منتفع به وبيع النحل في كوارته ومنفردا عنها إذا رئي وعلم قدره وبيع الطير الذي يقصد صوته كالهزار والبلبل والببغة لأنه يشتمل على منفعة مباحة أشبه الأنعام ويجوز بيع الهر وسباع البهائم والطير التي تصلح للصيد كالفهد والبازي ونحو مها غير الكلب في إحدى الروايتين وهي اختيار الخرقي والأخرى‏:‏ لا يجوز وقال أبو بكر وابن أبي موسى‏:‏ لا يجوز بيعها لنجاستها فأشبهت الكلب والأول أصح لأنه حيوان أبيح نفعه واقتناؤه من غير وعيد في جنسه فجاز بيعه كالحمار وبهذا يبطل ما ذكراه ويجوز بيع الجحش الصغير والفهد الصغير وفرخ البازي لأنه يصير إلى حال ينفع فأشبه طفل العبيد وما ينفع من بيض الطير لمصيره فرخا فهو كفرخه لأن مآله إلى النفع‏.‏

وقال القاضي‏:‏ لا يجوز بيعه لعدم نفعه في الحال قال أحمد‏:‏ أكره بيع القرد قال ابن عقيل‏:‏ هذا محمول على بيعه للإطافة به واللعب وأما بيعه لحفظ المتاع فيجوز لأنه منتفع به وقال أحمد‏:‏ أكره بيع لبن الآدميات فيحتمل التحريم لأنه مائع خارج من آدمية أشبه العرق ويحتمل كراهية التنزيه لأنه طاهر منتفع به أشبه لبن الشاة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع العبد المرتد‏]‏

ويجوز بيع العبد المرتد لأنه مملوك منتفع به وخشية هلاكه لا يمنع بيعه كالمريض فإن علم المشتري حاله فلا شيء له لأنه رضي بعيبه وإن لم يعلم فله الرد أو الأرش قتل أو أسلم كالمعيب ويصح بيع العبد الجاني عمدا أو خطا على النفس أو ما دونها لأنه حق تعلق برقبته غير متحتم فأشبه القتل بالردة فإن كانت الجناية موجبة للقصاص فهي كالردة وإن كانت موجه للمال فهو على السيد لأنه رضي بالتزام ما عليه فإن كان معسرا فللمجني عليه رقبة العبد إن شاء فسخ العقد ورجع به وإن شاء رجع على البائع بالأرش وإن كان قاتلا في المحاربة فكذلك في قول بعض أصحابنا لأنه ينتفع به إلى قتله ويعتقه فيجر ولاء ولده فصح بيعه كالزمن وحكمه حكم المرتد‏.‏

وقال القاضي‏:‏ لا يصح بيعه لأنه متحتم القتل فلا منفعة فيه فأشبه الميت‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع رباع مكة وإجارتها‏]‏

وفي بيع رباع مكة وإجارتها روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يجوز لأن عمر رضي الله عنه اشترى من صفوان بن أمية دارا بأربعة آلاف واشترى معاوية من حكيم بن حزام دارين بمكة ولأنها أرض حية لم ترد عليها صدقة محرمة فجاز بيعها كغيرها‏.‏

والثانية‏:‏ لا يجوز لأنها فتحت عنوة ولم تقسم بين الغانمين فصارت وقفا على المسلمين فحرم بيعها كسواد العراق‏.‏

والدليل على هذا فتحها عنوة قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين وإنما أحلت لي ساعة من نهار‏]‏ متفق عليه وقالت أم هانئ‏:‏ يا رسول الله إني أجرت حموين لي فزعم ابن أم هانئ أنه قاتلهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏قد أجرنا من أجرت‏]‏ حديث صحيح وقتل ابن خطل ومقيس بن صبابة ولو فتحت صلحا لم يجز قتل أهلها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع الشام وسواد العراق‏]‏

ولا يجوز بيع الشام وسواد العراق ونحوهما مما فتح عنوة لأن عمر رضي الله عنه وقفه على المسلمين وأقره في يد أربابه بالخراج الذي ضربه يكون أجرة له في كل ولم يقدر مدتها لعموم المصلحة فيها وقد اشتهر ذلك في قصص نقلت عنه‏.‏

وعن أحمد‏:‏ أنه كره بيعها لأنه يأخذ ثمن الوقوف وأجاز شراءها لأنه كالاستنقاذ لها فجاز كشراء الأسير وتجوز إجارتها لأنها مستأجرة في يد أربابها وإجارة المستأجر جائزة فأما المساكن في المدائن فيجوز بيعها لأن الصحابة رضي الله عنهم اقتطعوا الخطط في الكوفة والبصرة في زمن عمر رضي الله عنه وبنوها مساكن وتبايعوها من غير نكير فكان إجماعا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم بيع المصحف‏]‏

قال أحمد‏:‏ لا أعلم في بيع المصحف رخصة ورخص في شرائه وقال‏:‏ هو أهون وذلك لأن ابن عمر وابن عباس وأبا موسى كرهوا بيعه ولأنه يشتمل على كلام الله تعالى فيجب صيانته عن الابتذال والشراء أسهل لأنه استنفاذ له فلم يكره كشراء الأسير وقال أبو الخطاب‏:‏ يجوز بيعها مع الكراهة وفي شرائها وإبدالها روايتان فإن بيعت لكافر لم يصح رواية واحدة ‏[‏لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى على المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم‏]‏ حديث صحيح متفق عليه فلم يجز تمليكهم إياه وتمكينهم منه ولأنه يمنع من استدامة ملكة فمنع ابتداء كنكاح المسلمة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام‏]‏

ولا يجوز بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام لما روى جابر قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏[‏إن الله ورسوله يقول حرم بيع الخمرة والميتة والخنزير والأصنام‏]‏ متفق عليه‏.‏

ولا يجوز بيع ما لا نفع فيه كالحشرات وسباع البهائم والطير التي لا يصاد بها وما لا يؤكل من الطير ولا بيضه لأنه لا نفع فيها فأشبهت الخنزير ولا يجوز بيع الحر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏قال الله تعالى‏:‏ ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ذكر منهم رجلا باع حرا فأكل ثمنه‏]‏ رواه البخاري ولا يجوز بيع ما ليس بمملوك كالمباحات قبل حيازتها لأنها غير مملوكة أشبهت الحر ولا يجوز بيع الدم ولا السرجين النجس لأنه مجمع على تحريمه ونجاسته أشبه الميتة ولا يجوز بيع شحم الميتة لأنه منها وفي حديث جابر قيل‏:‏ يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة‏؟‏ فإنه تدهن بها الجلود وتطلى بها السفن ويستصبح بها الناس‏؟‏ فقال‏:‏ ‏[‏لا هو حرام‏]‏ متفق عليه وما نجس من الأدهان كالزيت فظاهر المذهب تحريم بيعها قياسا على شحم الميتة ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏[‏إن الله حرم شيئا حرم ثمنه‏]‏ رواه أبو داود وعنه‏:‏ يباع لكافر ويعلم بحاله لأنه يعتقد حله وفي جواز الاستصباح بها روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يجوز لأنه دهن نجس أشبه شحم الميتة‏.‏

والثانية‏:‏ يجوز لأنه أمكن الانتفاع بها من غير ضرر أشبه الانتفاع بها من ضرر أشبه الانتفاع بالجلد اليابس قال أبو الخطاب‏:‏ ويتخرج على جواز الاستصباح بها جواز بيعها قال القاضي‏:‏ ولا تطهر بالغسيل لأنه لا يتأتى فيها العصر ويتخرج أنها تطهر بصبها في ماء كثيرة ثم تترك حتى تطفو فتؤخذ والعصر‏:‏ إنما يعتبر فيما يتأتى العصر فيه بدليل الخشب والأحجار اختاره أبو الخطاب فأما غير الأدهان كالخل والبن فلا تطهر وجها واحدا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع الكلب‏]‏

ولا يجوز بيع الكلب وإن كان معلما لما روى أبو مسعود الأنصاري ‏[‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب‏]‏ وقال ‏[‏ثمن الكلب خبيث‏]‏ متفق عليهما ولا غرم على قاتله لأنه لا قيمة له وقد أساء من قتل كلبا يباح اقتناؤه ولا يباح اقتناء كلب إلا لصيد أو حفظ ماشية أو حرث لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏[‏من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع نقص من أجره كل يوم قيراط‏]‏ متفق عليه ويجوز تربية الجور الصغير لذلك لأنه قصد به ما يباح فيأخذ حكمه كالجحش الصغير ولأنه لو لم يقتن غير المعلم لم يمكن تعليمه وتعذر اقتناء المعلم وفيه وجه آخر أنه لا يجوز اقتناؤه لأنه ليس من الثلاثة فإن اقتنى كلب الصيد من لا يصيد به جاز للحديث وفيه وجه آخر أنه لا يجوز لأن اقتناءه لغير حاجة أشبه من اقتناه للماشية ولا ماشية له‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع المعدوم‏]‏

ولا يجوز بيع معدوم لما رواه أبو هريرة‏:‏ ‏[‏أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر‏]‏ رواه مسلم وبيع المعدوم بيع غرر ولأن تحريم بيع الثمرة قبل بدو صلاحها تنبيه على تحريم بيعها قبل وجودها فلا يجوز بيع الثمرة قبل خلقها ولا بيع الماء العد الذي له مادة كماء العيون والآبار لأنه بيع لما يتجدد وهو في الحال معدوم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع ما لا يقدر على تسليمه‏]‏

ولا يجوز بيع ما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء والسمك في الماء والعبد الآبق والجمل الشارد والفرس العائر والمغصوب في يد الغاصب لحديث أبي هريرة وقال ابن مسعود‏:‏ لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر ولأنه القصد بالبيع تمليك التصرف ولا يمكن ذلك فيما لا يقدر على تسليمه فإن باع طيرا له في برج مغلق الباب أو سمكا له في بركة معدة للصيد وكان معروفا بالرؤية مقدورا على تناوله بلا تعب جاز بيعه لعدم الغرر فيه وإن اختل بعض ذلك لم يجز وإن باع الآبق لقادر عليه أو المغصوب لغاصبه أو لقادر على أخذه منه جاز لذلك وإلا فلا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع ما تجهل صفته‏]‏

ولا يجوز بيع ما تجهل صفته كالحمل في البطن واللبن في الضرع والبيض في الدجاج والنوى في التمر لحديث أبي هريرة‏:‏ وروى ابن عمر ‏[‏أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المجر‏]‏ والمجر‏:‏ شراء ما في الأرحام وعن أبي هريرة‏:‏ ‏[‏أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المضامين والملاقيح‏]‏ قال أبو عبيدة‏:‏ الملاقيح‏:‏ ما في البطون وهي الأجنة والمضامين‏:‏ ما في أصلاب الفحول وما سواه يقاس عليه وروي ‏[‏أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع صوف على ظهر أو لبن في ضرع‏]‏ رواه ابن ماجة‏.‏

وعنه‏:‏ في بيع الصوف على الظهر روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يجوز للخبر ولأنه متصل بالحيوان فلم يجز إفراده بالبيع كأعضائه‏.‏

والثانية‏:‏ يجوز بشرط جزه في الحال لأنه معلوم ممكن تسليمه فجازة بيعه كالزرع في الأرض‏:‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع الأعيان‏]‏

ولا يجوز بيع الأعيان من غير رؤية أو صفة يحصل بها معرفة المبيع في ظاهر المذهب لحديث أبي هريرة ولأنه مجهول عند العاقد فلم يصح بيعه كالنوى في التمر فعلى هذا يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع كداخل الثوب وشعر الجارية وعنه‏:‏ يجوز لأنه عقد معاوضة فأشبه النكاح فعلى هذه هل يثبت له خيار الرؤية‏؟‏ فيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا خيار له لأنه عقد معاوضة صح من الغيبة فأشبه النكاح‏.‏

والثانية‏:‏ يثبت له الخيار عند الرؤية في الفسخ والإمضاء لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏[‏من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رآه‏]‏ ويكون خياره على الفور للحديث وقيل‏:‏ يتقيد بالمجلس لأنه خيار ثابت بمقتضى العقد فتقيد بالمجلس كخيار المجلس فإن اختار إمضاء العقد قبل الرؤية أم يلزم لأنه تعلق بالرؤية ولأنه إلى إلزام العقد في مجهول الصفة وإن اختار الفسخ انفسخ لأن الفسخ يصح في مجهول الصفة ويعتبر لصحة العقد الرؤية من المتعاقدين جميعا لأن الرضا معتبر منهما فتعتبر الرؤية التي هي مظنة له منهما جميعا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏المدة المعتبرة في بيع الأعيان‏]‏

فإن رأيا المبيع ثم عقدا بعد ذلك بزمن لا تتغير العين فيه صح في صحيح المذهب‏.‏

وعنه‏:‏ لا يصح لأن ما كان شرطا يعتبر وجوده حال العقد كالشاهدة في النكاح‏.‏

ولنا أنه معلوم عندهما أشبه ما لو شاهداه حال العقد أو اشترى منه دارا كبيرة وهو في طرفها والشرط العلم وهو مقارن للعقد ثم إن وجد المبيع لم يتغير لزم وإن وجده ناقصا فله الخيار لأن ذلك كالعيب وإن اختلفا في التغيير فالقول قول المشتري لأن الثمن يلزمه فلا يلزمه إلا ما اعترف به وإن عقد بعد الرؤية بزمن يفسد فيه ظاهرا لم يصح لأنه غير معلوم وإن احتمل الأمرين ولم يظهر التغير فالعقد صحيح لأنه الأصل سلامته‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏البيع بالصفة‏]‏

ويصح البيع بالصفة في صحيح المذهب إذا ذكر أوصاف السلم لأنه لما عدمت المشاهدة للمبيع وجب استقصاء صفاته كالسلم وإذا وجد على الصفة لزم العقد وإن وجده على خلافها فله الفسخ فإن اختلفا في التغير فالقول قول المشتري لما ذكرناه وعنه‏:‏ لا يصح البيع بالصفحة لأنه لا يمكن استقصاؤها‏.‏

والمذهب الأول لأنه مبيع معلوم بالصفة فصح بيعه كالمسلم فيه وبيع الأعمى وشراؤه بالصفة كبيع البصير بها فإن عدمت الصفة وأمكنه معرفة المبيع بذوق أو شم صح بيعه وإلا لم يصح لأنه مجهول في حقه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع عبد من عبيد ولا شاة من قطيع ولا ثوب من أثواب‏]‏

ولا يجوز بيع عبد من عبيد ولا شاة من قطيع ولا ثوب من أثواب ولا أحد هذين العبدين لأنه غرر فيدخل في الخبر ولأنه يختلف فيفضي إلى التنازع ويجوز بيع قفيز من صبرة ورطل زيت من دن أو ركوة لأن أجزاءه لا تختلف فلا يفضي إلى التنازع فإن باع جريبا من ضيعة يعلمان جربانها صح وكان المبيع مشاعا منها وإن كانت عشرة أجربة فالمبيع عشرها وإن لم يعلما جربانها لم يصح لأنه لا يعلم قدره منها فيكون مجهولا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع ما لا تختلف أجزاؤه‏]‏

وما لا تختلف أجزاؤه كصبر الطعام وزق الزيت يكتفى برؤية بعضه لأنها تزيل الجهالة لتساوي أجزائه ولأنه تتعذر رؤية جميعه فاكتفي ببعضه كأساسات الحيطان وما تشق رؤيته كالذي مأكوله في جوفه يكتفى برؤية ظاهره لذلك وكذلك أساسات الحيطان وطي الآبار وشبهها ويجوز بيع الباقلى والجوز واللوز في قشريه والحب في سنبله لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحب حتى يشتد رواه أبو داود فمفهومه جواز بيع المشتد ولأنه مستور بما خلق فيه فجاز بيعه كالذي مأكوله في جوفه ولأن قشره الأعلى من مصلحته لأنه يحفظ رطوبته وادخار الحب في سنبله أبقى له فجاز بيعه فيه كالسلت والأرز وما لا تشق رؤية جميعه ويشترط رؤية جميعه على ما أسلفناه‏.‏

فصل‏:‏ إذا قال‏:‏ بعتك هذه الصبرة

صح وإن لم يعلم قدرها لأن ابن عمر قال‏:‏ كنا نبتاع الطعام من الركبان جزافا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه ولأن غرر ذلك منتفي بالمشاهدة فاكتفي بها وإن باع نصفها أو ثلثها أو جزءا منها مشاعا صح لأن من عرف شيئا عرف جزأه وإن قال‏:‏ بعتكها كل قفيز بدرهم صح لأن المبيع معلوم بالمشاهدة والثمن معلوم لإشارته إلى من يعلم مبلغه بجهة لا تتعلق بالمتعاقدين وهو كيل الصبرة فجاز كما لو باعه مرابحة لكل عشرة درهم ولو قال‏:‏ بعتك بعض هذه الصبرة لم يصح لأنه البعض مجهول ولو قال‏:‏ بعتك منها كل قفيز بدرهم لم يصح لأنه باعه بعضها ولو قال‏:‏ بعتكها على أن أزيدك قفيزا لم يصح لأن الزائد مجهول فإن قال‏:‏ على أن أزيدك قفيزا من هذه الأخرى صح لأن معناه بعتكها وقفيزا من هذه وإن قال على أن أزيدك من هذه أو أنقصك قفيزا لم يصح لأنه لا يدري أيزيده أم ينقصه وإن قال‏:‏ بعتكها كل قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزا من هذه الأخرى وهما يعلمان قدر قفزانها صح لأنهما إذا علماها عشرة فمعناه‏:‏ بعتك كل قفيز وعشرا بدرهم وإن لم يعلما قدرها لم يصح لجهالة الثمن لأنه يصير قفيزا وشيئا لا يعلمان قدره بدرهم لجهلهما بكمية قفزانها وكذلك إن قال‏:‏ على أن أنقصك قفيزا وإن جعلا للقفيز الزائد ثمنا مفردا صح في الحالين‏.‏

فصل‏:‏ ويكتفى بالرؤية فيما لا تتساوى أجزاؤه

كالأرض والثوب والقطيع من الغنم لما ذكرنا في الصبرة وفيه نحو من مسائلها ولو قال‏:‏ بعتك من الدار من هاهنا إلى هاهنا جاز لأنه معلوم وإن قال‏:‏ عشرة أذرع ابتداؤها من هاهنا لم يصح لأنه لا يدري إلى أين ينتهي ولو قال‏:‏ بعتك نصف داري مما يلي دارك لم تصح نص عليه لذلك وإن قال‏:‏ بعتك من هذا الثوب من أوله إلى هاهنا صح لأنه معلوم وقال القاضي‏:‏ إن كان ينقصه القطع لم يصح لعجزه عن التسليم إلا بضرر والأول أصح لأن التسليم ممكن والضرر لا يمنع الصحة إذا التزمه كما لو باعه نصفا مشاعا أو نصف حيوان‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏شروط لصحة المبيع‏]‏

ويشترط لصحة المبيع معرفة الثمن لأنه أحد العوضين فيشترط العلم به كالمبيع ورأس مال السلم وإن باعه بثمن مطلق في موضع فيه نقد معين انصرف إليه وإن لم يكن فيه نقد معين لم يصح لجهالته وإن باعه سلعة برقمها أو بما باع به فلان وهما لا يعلمان ذلك أو أحدهما أو بما ينقطع به السعر لم يصح لأنه مجهول وإن قال‏:‏ بعتك بألف درهم ذهبا وفضة لم يصح لأنه لم يبين القدر من كل واحد منهما وإن باعه بعشرة نقدا أو بخمس عشرة نسيئة أو بعشرة صحاحا أو بعشرين مكسرة لم يصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة حديث صحيح‏.‏

وهو هذا ولأنه لم يعقد على ثمن بعينه أشبه إذا قال‏:‏ بعتك أحد هذين العبدين ويتخرج أنه يصح بناء على قوله في الإجارة وقيل‏:‏ معنى بيعتين في بيعة أن يقول‏:‏ بعتك هذا بمائة على أن تبيعني دارك بألف أو على أن تصرفها لي بذهب وأيا ما كان فهوة غير صحيح وإن باع بثمن معين تعين لأنه عوض فتعين بالتعيين كالمبيع فعلى هذا إن وجده مغصوبا بطل العقد وإن وجده معيبا فرده انفسخ العقد لرد المعقود عليه فأشبه رد المبيع وعن أحمد‏:‏ أن الثمن لا يتعين إلا بالقبض فتنعكس هذه الأحكام وإن باعه بثمن في الذمة لم يتعين فإذا قبضه فوجده مغصوبا لم يبطل العقد وإن رده لم يفسخ لأن الثمن في الذمة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع الملامسة والمنابذة‏]‏

ولا يجوز بيع الملامسة والمنابذة لما روى أبو سعيد الخدري‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين‏:‏ الملامسة والمنابذة والمنابذة‏:‏ أن يقول‏:‏ إذا نبذت إلي هذا الثوب فقد وجب البيع والملامسة‏:‏ أن يمسه بيده ولا ينشره متفق عليه ولأنه إذا علق البيع على نبذ الثوب ولمسه فقد علقه على شرط وهو غير جائز وإذا باعه قبل نشره فقد باعه مجهولا فيكون غررا ولا يجوز بيع الحصاة لما روى أبو هريرة ‏[‏أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة‏]‏ رواه مسلم وهو أن يقول‏:‏ ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا وقيل‏:‏ هو أن يقول‏:‏ بعتك من هذه الضيعة بقدر ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا وكلاهما غير صحيح لأنه غرر ولا يجوز بيع حبل الحبلة لما روى ابن عمر قال‏:‏ ‏[‏نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلة‏]‏ متفق عليه قال أبو عبيدة‏:‏ هو بيع ما يلد حمل الناقة‏.‏

وقيل‏:‏ هو بيع السلعة بثمن إلى أن يلد حمل الناقة وكلاهما لا يجوز لأنه على التفسير الأول‏:‏ بيع معدوم مجهول وعلى الثاني‏:‏ بيع بثمن إلى أجل مجهول ولا يجوز تعليق البيع على شرط مستقبل كمجيء المطر وقدوم زيد وطلوع الشمس لأنه غرر ولأنه عقد معاوضة فلم يجز تعليقه على شرط مستقبل كالنكاح‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع العنب والعصير لمن يتخذه خمرا ونحوه‏]‏

ولا يجوز بيع العنب والعصير لمن يتخذه خمرا ولا السلاح لأهل الحرب أو لمن يقاتل به في الفتنة ولا الأقداح لمن يشرب فيها الخمر لأنه معونة على المعصية فلم يجز كإجارة داره لبيع الخمر ولا يجوز بيع العبد المسلم لكافر لأنه يمنع من استدامة ملكه عليه فلم يصح عقده عليه كالنكاح فإن أسلم في يده أو يد موروثه ثم انتقل إليه بالإرث أجبر على إزالة ملكه عنه لأن في تركه في ملكه صغارا فإن باعهم أو وهبه لمسلم أو أعتقه جاز وإن كاتبه ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يجوز لأنه يصير كالخارج عن ملكه في التصرفات‏.‏

والثاني‏:‏ لا يجوز لأنه لا يزيل الملك فلم يقبل كالتزويج‏.‏

وإن ابتاع الكافر مسلما يعتق عليه بالشراء ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يصح لأنه عقد يملك به المسلم‏.‏

والثانية‏:‏ يجوز لأن ملكه يزول حال ثبوته فلا يحصل فيه صغار وإن حصل فقد حصل له من الكمال بالحرية فوق ما لحقه برق لحظة وإن قال الكافر لمسلم‏:‏ أعتق عبدك عني وعلى ثمنه ففيه وجهان بناء على ما ذكرناه لأنه بقدر بيعه للكافر وتوكيل البائع في عتقه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏التفريق في البيع بين ذوي رحم محرم‏]‏

ولا يجوز يفرق في البيع بين ذوي رحم محرم قبل البلوغ لما روى أبو أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة‏]‏ حديث حسن‏.‏

وعن علي رضي الله عنه قال‏:‏ وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامين أخوين فبعت أحدهما فقال رسول الله ‏(‏ص‏:‏ ‏[‏ما فعل غلامك‏؟‏ فأخبرته فقال‏:‏ رده رده‏]‏ رواه الترمذي وقال حديث حسن فإن فرق بينهما فالبيع باطل رضيت الأم ذلك أم كرهته نص عليه لأنه فيه إسقاطا لحق الولد وهل يجوز التفريق بينهما بعد البلوغ‏؟‏ فيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يجوز لعموم الخبر‏.‏

والثانية‏:‏ يجوز لأنه سلمه بن الأكوع أتى أبا بكر الصديق رضي الله عنه بامرأة وابنتها في غزوة فنفله أبو بكر ابنتها ثم استوهبها النبي صلى الله عليه وسلم من سلمة فوهبها له رواه مسلم وهذا تفريق لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهديت له أختان مارية وسيرين فأمسك مارية ووهب أختها لحسان بن ثابت‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع العين لمن لا يملكها‏]‏

ولا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها ليمضي ويشتريها ويسلمها لما رواه حكيم بن حزام قال للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن الرجل يأتيني يلتمس من البيع ما ليس عندي فأمضي إلى السوق فأشتريه ثم أبيعه منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا تبع ما ليس عندك‏]‏ حديث صحيح ولأنه بيع ما لا يقدر على تسليمه أشبه بيع الطير في الهواء فإن باع مال غيره بغير إذنه ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يصح لذلك‏.‏

والثانية‏:‏ يصح ويقف على إجازة المالك فإن أجازه جاز وإن أبطله بطل لما روى عروة بن الجعد البارقي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا ليشتري به شاة فاشترى به شاتين ثم باع إحداهما بدينار في الطريق قال‏:‏ فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالدينار وبالشاة فأخبرته فقال‏:‏ ‏[‏بارك الله لك في صفقة يمينك‏]‏ رواه الإمام أحمد والأثرم رضي الله عنهما ولأنه عقد له مجيز حال وقوعه فوقف على إجازته كالوصية وإن اشترى بعين مال غيره شيئا بغير إذنه فهو كبيعه فإن اشترى له شيئا بغير إذنه بثمن في ذمته ثم نقد ثمنه من مال الغير صح الشراء لأنه تصرف في ذمته لا في مال غيره ويقف على إجازة المشتري له لأنه قصد الشراء له فإن أجازه لزمه وإن لم يجزه لزم من اشتراه لأنه لا يلزمه ما لم يأذن فيه والبيع صحيح فيلزم المشتري فإن باع مال غيره وهو حاضر فلم ينكر ذلك فهو كبيعه في غيبته فإن السكوت ليس بإذن فإنه محتمل كغير الإذن فلا يتعين كونه إذنا والله أعلم‏.‏

باب‏:‏ بيع النجش والتلقي وبيع الحاضر لباد وبيعه على بيع غيره والعينة

وهي بيوع محرمه لما روى أبو هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏لا تلقوا الركبان ولا يبع بعضكم على بيع بعض ولا تناجشوا ولا يبع حاضر لباد‏]‏ متفق عليه ومعنى النجش‏:‏ أن يزد في السلعة من لا يريد شراءها ليغتر به المشتري ويقتدي به فهو حرام لأنه خداع والشراء صحيح وعنه‏:‏ أنه باطل لأن النهي يقتضي الفساد والأولى أصح لأن النهي عاد إلى غير العقد فلم يؤثر فيه وللمشتري الخيار إن غبن غبنا يخرج عن العادة سواء كان بمواطأة من البائع أو لم يكن لأنه غبن للتغرير بالعاقد فأثبت الخيار كتلقي الركبان ولو قال البائع‏:‏ أعطيت بهذه السلعة كذا كاذبا فاشتراها المشتري لذلك فالبيع صحيح وله الخيار لما ذكرناه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تلقي الركبان‏]‏

وتلقي الركبان‏:‏ أن يخرج الرجل من المصر يتلقى الجلب قبل دخوله فيشتريه فيحرم للخبر ولأنه يخدعهم ويغبنهم فأشبه النجش والشراء صحيح وعنه‏:‏ أنه باطل للنهي والمذهب الأول لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار‏]‏ رواه مسلم‏.‏

والخيار لا يكون إلا في عقد صحيح ولأن النهي لضرب من الخديعة أمكن استدراكها بالخيار فأشبه بيع المصراة وللبائع الخيار إن غبن غبنا يخرج عن العادة فإن لم يغبن فلا خيار له ويحتمل أن له الخيار للخبر والأول المذهب لأنه إنما يثبت لدفع الضرر عن البائع ولا ضرر مع عدم الغبن والحديث يحمل على هذا وجعل النبي صلى الله عليه وسلم له الخيار إذا هبط السوق يفهم منه الإشارة إلى معرفته بالغبن فإن خرج لحاجة غير قصد التلقي فقال القاضي‏:‏ لا يجوز له الشراء لوجود معنى النهي ويحتمل الجواز لعدم دخوله في الخبر والبيع للركبان كالشراء منهم لأن النهي عن تلقيهم لدفع الغبن والشراء والبيع فيه واحد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع الحاضر للبادي‏]‏

وبيع الحاضر للبادي‏:‏ هو أن يخرج الحاضر إلى جلاب السلع فيقول أنا أبيع لك فهو حرام للخبر ولأن فيه تضيقا على المسلمين إذ لو ترك الجالب يبيع متاعه باعه برخص فإذا تولاه الحاضر لم يبعه برخص وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله‏:‏ ‏[‏لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض‏]‏‏.‏

وعنه‏:‏ لا بأس به وحمل الخبر على أنه اختص بأول الإسلام لما كان عليهم من الضيق والمذهب الأول للخبر والمعنى قال أصحابنا‏:‏ إنما يحرم بشروط خمسة أحدها أن يكون الحاضر قد قصد البادي ليتولى ذلك والثاني‏:‏ أن يكون البادي جاهلا بالسعر لأنه إذا كان عالما به فهو كالحاضر‏.‏

والثالث‏:‏ أن يكون جلب السلعة لبيعها فإن جلبها ليدخرها فلا ضرر على الناس في بيع الحضر له ذكر الخرقي هذه الثلاثة‏.‏

وذكر القاضي شريطين آخرين‏:‏ أن يقصد بيعها بسعر يومها ويتضرر الناس بتأخير بيعه فإذا اجتمعت هذه الشروط فالبيع باطل للنهي عنه وعنه‏:‏ أنه صحيح لأن النهي عنه لمعنى في غيره فأما شراء الحاضر للبادي فصحيح لأنه لا ضيق على الناس فيه وإذا شرع ما يدفع به الضرر عن أهل المصر لا يلزم شرع ما يتضرر به أهل البدو فإن الخلق في نظر الشارع على السواء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏البيع على بيع أخيه‏]‏

وأما البيع على بيع أخيه فهو أن يقول لمن اشترى شيئا في مدة الخيار أنا أبيعك مثله بدون هذا الثمن أو أجود منه بهذا الثمن فيفسخ العقد ويشتري سلعته فيحرم للخبر ولأن فيه إفسادا أو إنجاشا وإن فسخ البيع واشترى سلعته فالشراء باطل للنهي عنه وشراؤه على شراء أخيه كبيعه على بيعه ويحتمل أن البيع صحيح لأن النهي لمعنى في غير العقد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏السوم على سوم أخيه‏]‏

فأما سومه على سوم أخيه فننظر فيه فإن كان البائع أنعم للمشتري البيع بثمن معلوم حرم على غيره سومه لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏لا يسم الرجل على سوم أخيه‏]‏ رواه مسلم وإن لم ينعم له جاز سومها لما روى أنس أن رجلا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الشدة والجهد فقال له‏:‏ ‏[‏ما بقي لك شيء‏]‏ قال‏:‏ بلى قدح وحلس فأتاه بهما فقال‏:‏ من يبتاعهما‏؟‏ فقال رجل‏:‏ أنا أبتاعهما بدرهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏[‏‏:‏ من يزيد على درهم‏؟‏‏]‏ فأعطاه رجل درهمين فباعهما منه قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن ولأن فاطمة بنت قيس ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم أن معاوية وأبا جهم خطباها فأمرها أن لا تنكح أسامة متفق عليه فإن ظهرت منه أمارة الرضى منى غير تصريح به فقال القاضي‏:‏ لا تحرم المساومة لخبر فاطمة ويحتمل أن تحرم لعموم النهي وليس في خبر فاطمة أمارة على الرضى‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع العينة‏]‏

فأما بيع العينة فهو أن يبيع سلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها منه بأقل من الثمن حالا فلا يجوز لما روى سعيد عن غندر عن شعبة عن أبي إسحاق عن امرأته العالية بنت أيفع بن شرحبيل قالت‏:‏ دخلت على عائشة أنا وأم ولد زيد بن أرقم فقالت أم ولد زيد‏:‏ إني بعثت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريته منه بستمائة درهم فقالت لها‏:‏ بئس ما شريت وبئسما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب ولا تقول مثل هذا إلا توقيفا سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم ولأن ذلك ذريعة إلى الربا لأنه أدخل السلعة ليستبيح بيع ألف بخمسمائة والذرائع معتبرة فإن اشتراها بسلعة جاز لأنه لا ربا بين الأثمان والعروض إن اشتراها بنقد غير الذي باعها به فقال أصحابنا‏:‏ يجوز لأن التفاضل بينهما جائز ويحتمل التحريم لأن النساء بينهما محرم وإن اشتراها من غير المشتري أو اشتراها أبو البائع أو ابنه جاز وإن نقصت السلعة لتغير صفتها جاز لبائعها شراؤها بأقل من الثمن لأن نقص الثمن لنقصان السلعة وإن نقصت لتغير السوق أو زادت لم يجز شراؤها بأقل لما ذكرناه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏هل ينعقد بيع العينة‏؟‏‏]‏

فإن باعها بثمن حال نقده ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة لم يجز نص عليه لأنها في معنى التي قبلها سواء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من باع طعاما إلى أجل بثمن‏]‏

وإن باع طعاما إلى أجل بثمن فلما حل الأجل أخذ منه بالثمن طعاما لم يجز لأنه ذريعة إلى بيع طعام بطعام نسيئة فهو في معنى ما تقدم وكل شيءين حرم النساء فيهما لم يجز أخذ أحدهما عن الآخر قبل قبض ثمنه وقياس قول أصحابنا في مسألة العينة أنه يجوز هاهنا أحذ ما يجوز التفاضل بينه وبين الطعام المبيع‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من اشترى مكيلا أو موزونا‏]‏

ومن اشترى مكيلا أو موزونا لم يجز له بيعه حتى يقبضه في ظاهر كلام أحمد رضي افلله عنه والخرقي وما عداهما يجوز بيعه قبل القبض لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه‏]‏ وقال ابن عمر‏:‏ رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى يؤوه إلى رحالهم متفق عليهما وهذا لا يخلو من كونه مكيلا أو موزونا والحديث يدل بصريحه على منع بيعه قبل قبضه وبمفهومه على حل بيع ما عداه وعن أحمد‏:‏ أن المنع من البيع قبل القبض يخص المطعوم لاختصاص الحديث به وما ليس بمطعوم من المكيلات والموزونات يجوز بيعه قبل القبض وعنه‏:‏ أن المنع يختص ما ليس بمتعين كقفيز من صبرة ورطل زيت من دن وما بيع صبرة أو جزافا جاز بيعه قبل قبضه وهو قول القاضي وأصحابه لأنه يتعلق به حق توفية بخلاف غيره وعنه‏:‏ أن كل مبيع لا يجوز بيعه قبل قبضه لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ‏[‏نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار‏]‏ رواه أبو داود‏.‏

وقال ابن عباس‏:‏ أحسب كل شيء بمنزلة الطعام ولأنه لم يتم ملكه عليه أشبه المكيل والمذهب الأول وما بيع بصفة أو برؤية متقدمة فهو كالمكيل لأنه لا يتعلق به حق توفية فأشبه المكيل والموزون وما حرم بيعه قبل قبضه لم يجز بيعه لبائعه لعموم النهي ولا الشركة فيه لأنه بيع لبعضه ولا التولية لأنه بيع بمثل الثمن الأول فأما الثمن في الذمة فيجوز بيعه لمن هو في ذمته لما روى ابن عمر قال‏:‏ كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدراهم فنأخذ بدل الدراهم دنانير ونبيع بالدنانير فنأخذ بدلها الدراهم فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال‏:‏ ‏[‏لا بأس إذا افترقتما وليس بينكما شيء‏]‏ رواه أبو داود ولا يجوز بيعه لغير من هو في ذمته لأنه معجوز عن تسليمه فأشبه بيع المغصوب لغير غاصبه وما كان غير مستقرا كالمسلم فيه لم يجز بيعه بحال لا لصاحبه ولا لغيره لقوله عليه السلام‏:‏ ‏[‏من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره‏]‏ رواه أبو داود‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏انفساخ العقد بتلف عوضه قبل قبضه‏]‏

وكل عقد ينفسخ بتلف عوضه قبل قبضه كالإجارة والصلح حكمه حكم البيع فيما ذكرناه وما لا ينفسخ كالخلع والعتق على مال والصلح عن دم العمد جاز التصرف في عوضه قبل قبضه طعاما كان أو غيره وكذلك أرش الجناية وقيمة المتلف والمملوك بإرث أو وصية أو غنيمة إذا تعين ملكه فيه لأنه لا يتوهم غرر الفسخ بهلاك المعقود عليه جاز بيعه كالوديعة والصداق كذلك قاله القاضي لأنه لا ينفسخ العقد بتلفه فهو كعوض الخلع وقال الشريف وأبو الخطاب‏:‏ هو كالمبيع لأنه يخشى رجوعه بانفساخ النكاح بالردة فأشبه المبيع‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القبض‏]‏

وقبض كل شيء بحسبه المكيل المبيع قبضه كيله لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يكتاله‏]‏ رواه مسلم وإن بيع جزافا فقبضه نقله لما روى ابن عمر قال‏:‏ كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه رواه مسلم وقبض الذهب والفضة والجوهر باليد وسائر ما ينقل قبضه نقله وقبض الحيوان أخذه بزمامه أو تمشيته من مكانه وما لا ينقل قبضه التخلية بين مشتريه وبينه لا حائل دونه لأن القبض مطلق في الشرع فيجب الرجوع فيه إلى العرف كالإحياء والإحراز والعادة ما ذكرناه وعنه‏:‏ أن القبض في جميع الأشياء بالتخلية مع التميز لأنه قبض فيما لا ينقل فكان قبضا في غيره‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما يعتبر له القبض‏]‏

وما يعتبر له القبض إذا تلف قبل قبضه إذا انفسخ العقد وهو من مال البائع لأنه تلف قبل تمام ملك المشتري عليه فأشبه ما تلف قبل تمام البيع وإن أتلفه المشتري استقر عليه الثمن لأنه تلف بتصرفه فاستقر الثمن عليه كما لو قبضه وإن أتلفه أجنبي لم ينفسخ العقد لأن له بدلا يرجع إليه فلم ينفسخ العقد كما لو تعيب ويخير المشتري بين الفسخ والرجوع على البائع بالثمن لأنه تلف بغير فعل المشتري أشبه ما لو تلف بفعل الله تعالى وبين إتمام العقد والرجوع ببدله لأن الملك له وإن أتلفه البائع احتمل أن يبطل العقد لأنه يضمنه إذا تلف في يده بالثمن فكذلك إذا أتلفه وقال أصحابنا‏:‏ الحكم فيه حكم ما لو أتلفه أجنبي وإن تعيب قبل قبضه فهو كما لو تعيب قبل بيعه لأنه من ضمان البائع‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إذا باع شاة بشعير فأكلته قبل قبضه‏]‏

وإذا باع شاة بشعير فأكلته قبل قبضه ولم تكن يد بائعها عليها انفسخ البيع لأن الثمن هلك قبل القبض بغير فعل آدمي فإن كانت يده عليها فهو كإتلافه له وإن باعها مشتريها ثم هلك الشعير قبل قبضه انفسخ العقد الأول ولم يبطل الثاني لأن ذلك كان قبل فسخ العقد وعلى بائعها الثاني قيمتها لأنه تعذر عليه ردها وهكذا إن كان بدله شقصا فأخذه الشفيع انفسخ البيع الأول وعلى المشتري رد قيمة الشقص ويأخذ من الشفيع قيمة الطعام لأنه الذي اشترى به الشقص‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما لا يحتاج إلى قبض إذا تلف‏]‏

وما لا يحتاج إلى قبض إذا تلف فهو من مال المشتري لما روى حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال‏:‏ مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المشتري ذكره البخاري وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يمنعه البائع قبضه فيضمنه لأنه تلف تحت يد عادية أشبه ما لو تعلف تحت يد الغاصب وسواء حبسه على قبض الثمن أو غيره إلا أن يكون قد اشترط عليه الرهن في البيع‏.‏

باب‏:‏ تفريق الصفقة

إذا باع ما يجوز بيعه وما لا يجوز بيعه صفقة واحدة كعبد وحر وخل وخمر وعبده وعبد غيره أو دار له ولغيره ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ تفريق الصفقة فيما يجوز بيعه بقسطه من الثمن ويبطل فيما لا يجوز لأن كل واحد منهما له حكم منفرد فإذا اجتمعا بقيا على حكمهما كما لو باع شقصا وسيفا‏.‏

والثانية‏:‏ يبطل فيهما لأنه عقد واحد جمع حلالا وحراما فبطل كالجمع بين الأختين ويحتمل أن يصح فيما يجوز فيما ينقسم الثمن فيه على الأجزاء كدار له ولغيره ونحوها والقفيزين المتساويين لأن الثمن فيما يجوز بيعه معلوم ويبطل العقد فيما عدا هذا كالعبدين لأن ثمن ما يجوز بيعه مجهول لكون الثمن ينقسم عليهما بالقيمة وقسط الحلال منهما مجهول لو صرح به فقال‏:‏ بعتك هذا العبد بقسطه من الثمن لم يصح فكذا هاهنا فإن قلنا يصح وعلم المشتري الحال فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة ولا خيار للبائع بحال وإن لم يعلم المشتري الحال فله الخيار لأن عليه ضررا في تفريق الصفقة وإن اشترى معلوما ومجهولا بطل العقد فيهما لأن ما يخص المعلوم من الثمن مجهول ولو باع قفيزين من الحلال بثمن واحد فتلف أحدهما قبل قبضه لم ينفسخ العقد في الباقي منهما سواء كانا من جنس واحد أو جنسين لأن حدوث الجهل بثمن الباقي منهما لا يوجب جهالة المبيع حال العقد قال القاضي‏:‏ ويثبت للمشتري خيار الفسخ لتفريق الصفقة عليه فأشبه ما قبلها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن جمع بين عقدين مختلفي الحكم‏]‏

فإن جمع بين عقدين مختلفي الحكم كبيع وإجارة أو صرف بعوض واحد صح فيهما لأن اختلاف حكم العقدين لا يمنع الصحة كما لو جمع بين ما فيه شفعة وما لا شفعة فيه وفيه وجه آخر لا يصح لأن حكمهما مختلف وليس أحدهما أولى من الآخر فبطل فيهما فإن البيع فيه خيار ولا يشترط التقابض فيه في المجلس ولا ينفسخ العقد بتلف المبيع والصرف ويشترط له التقابض وينفسخ العقد بتلف العين في الإجارة وإن جمع بين نكاح وبيع بعوض واحد فقال‏:‏ زوجتك ابنتي وبعتك داري بمائة صح في النكاح لأنه لا يفسد بفساد العوض وفي البيع وجهان وإن جمع بين بيع وكتابة فقال لعبده‏:‏ بعتك عبدي هذا وكاتبتك بمائة بطل البيع وجها واحدا لأنه باع عبده لعبده فلم يصح كبيعه إياه من غير كتابة وهل تبطل الكتابة‏؟‏ يخرج على الروايتين في تفريق الصفقة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم لو باع رجلان عبدا لهما بثمن واحد‏]‏

ولو باع رجلان عبدا لهما بثمن واحد صح لأن حصة كل واحد منهما من الثمن معلومة ولو كان لكل واحد منهما قفيز وكانا من جنس واحد فباعهما صفقة واحدة صح لذلك وإن كان المبيع مما لا ينقسم الثمن عليه مثل إن كان لكل واحد منهما عبد فباعاهما صفقة واحدة أو وكلا رجلا فباعهما أو وكل أحدهما الآخر فباعهما بثمن واحد لم يصح لأن كل واحد منهما مبيع بحصته من الثمن فلم يصح كما لو صرح به ويحتمل أن يصح بناء على تفريق الصفقة أو كما لو كاتب عبدين كتابة واحدة بعوض واحد‏.‏

باب‏:‏ الثنيا

إذا باع حائطا واستثنى شجرة بعينها أو قطعيا واستثنى شاة بعينها صح لأن النبي صلى الله عليه وسلم ‏[‏نهى عن الثنيا إلا أن تعلم‏]‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث صحيح وهذه معلومة وإن استثنى شجرة أو شاة يختارها لم يصح للخبر وإن استثنى آصعا معلومة أو باع نخلة واستثنى أرطالا معلومة فعنه‏:‏ أنه يصح للخبر والمذهب أنه لا يصح لأن المبيع إنما علم بالمشاهدة والاستثناء يغير حكم المشاهدة فإنه لا يدري كم يبقى في حكم المشاهدة ولو باعه الصبرة إلا قفيزا لم يصح لذلك وإن باعه قفيزا من هذه الصبرة إلا مكوكا صح لأن القفيز معلوم والمكوك منه معلوم وإن باعه دارا إلا ذراعا وهما يعلمان ذرعانها جاز وكان مشاعا منها وإلا لم يجز كما لو باعه ذراعا منها وإن باعه سمسما إلا كسبه أو قطنا إلا حبه أو شاة إلا شحمها أو فخذها لم يصح لأنه مجهول فيدخل في الخبر وإن استثنى حملها فعنه أن يصح لأن ابن عمر أعتق جارية واستثنى ما في بطنها‏.‏

وعنه‏:‏ لا يصح وهو أصح للخبر فإن باع جارية حاملا بحر وقلنا‏:‏ يصح استثناء الحمل صح هاهنا وإن قلنا‏:‏ لا يصح ثم ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يصح لأنه استثناه في الحقيقة‏.‏

والثاني‏:‏ يصح لأنه قد يقع مستثنى بالشرع ما لا يصح استثناؤه بالشرط بدليل بيع الأمة المزوجة‏.‏

وإن باع حيوانا مأكولا واستثنى رأسه وجلده وسواقطه صح نص عليه لأنها ثنيا معلومة وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين هاجر إلى المدينة مر براع فذهب أبو بكر وعامر بن فهيرة فاشتريا منه شاة وشرطا له سلبها فإن امتنع المشتري من ذبحها لم يجبر وعليه قيمة ذلك‏.‏

لما روي عن علي رضي الله عنه‏:‏ أنه قضى في رجل اشترى ناقة وشرط ثنياها فقال‏:‏ اذهبوا معه إلى السوق فإن بلغت أقصى ثمنها فأعطوه حساب ثنياها من ثمنها وعن الشعبي قال‏:‏ قضى زيد بن ثابت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقرة باعها رجل واشترط رأسها بالشروى يعني أن يعطيه رأسا مثل رأس‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من باع شيئا واستثنى منفعته مدة معلومة‏]‏

ومن باع شيئا واستثنى منفعته مدة معلومة كجمل اشترط ركوبه إلى موضع معين ودارا استثنى سكناها شهرا وعبدا استثنى خدمته سنة صح لما روى جابر‏:‏ أنه باع النبي صلى الله عليه وسلم جملا واشترط ظهره إلى المدينة متفق عليه ولأنها ثنيا معلومة فتدخل في خبر أبي هريرة فإن عرض المشتري على البائع عوضها لم يلزمه قبوله لأن حقه تعلق بعينها فأشبه ما لو استأجرها وإن أراد البائع إجارتها تلك المدة فقال ابن عقيل‏:‏ يصح في قياس المذهب لأنه استحق نفعها فملك إجارتها كالمستأجر وإن أتلف المشتري العين فعليه قيمة المنفعة لتفويته حق غيره وإن تلف بغير تفريط فكلام أحمد رضي الله عنه يقتضي ذلك بعمومه ويحتمل أن لا يضمن لأن البائع لم يملك المنفعة من جهة المشتري فلم يلزمه عوضها له كما أو تلفت النخلة المبيعة مؤبرة بثمرتها والحائط الذي استثني منه شجرة ويحمل كلام أحمد على من فرط وإن باع المشتري العين صح وتكون المنفعة مستثناة في يد المشتري فإن لم يعلم به فله الخيار لأنه عيب فهوة كالتزويج في الأمة ومن باع أمة واستثنى وطأها لم يصح لأنه لا يحل إلا في تزويج أو في ملك يمين ومن استثنى مدة غير معلومة لم يصح للخبر‏.‏

باب‏:‏ الشروط في البيع

وهي على أربعة أضراب‏:‏

أحدها‏:‏ ما هو من مقتضى البيع كالتسليم والرد بالعيب فهذا لا أثر له لأنه بيان وتأكيد لمقتضى العقد‏.‏

الثاني‏:‏ ما هو من مصلحته كالخيار والأجل والرهن والضمين فهذا شرط صحيح لازم ورد الشرع به نذكره في مواضعه‏.‏

الثالث‏:‏ شرط ينافي مقتضى العقد وهو نوعان‏:‏

أحدهما‏:‏ ما لم يبين على التغليب والسراية كشرط أن لا يملك ولا يتصرف ولا يسلم أو لا يعتق أو إن أعتق فالولاء له أو متى نفق المبيع وإلا رده أو إن خسر‏.‏

فيه فعلى البائع فهذا شرط باطل لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما أرادت شراء بريرة فاشترط أهلها ولاءها‏:‏ ‏[‏اشتريها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق ثم قال‏:‏ من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط‏]‏ فتفق عليه‏.‏

وهل يفسد البيع به‏؟‏ فيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يفسد لحديث بريرة‏.‏

والثانية‏:‏ يفسد لأنه إذا فسد الشرط وجب رد ما في مقابلته من الثمن وذلك مجهول فيصير الثمن مجهولا‏.‏

النوع الثاني‏:‏ أن يشتريه بشرط أن يعتقه ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ الشرط فاسد لأنه ينافي مقتضى البيع فأشبه ما قبله‏.‏

والثانية‏:‏ يصح‏:‏ لأن عائشة اشترت بريرة لتعتقها فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذا إن امتنع المشتري من العتق أجبر عليه في أحد الوجهين لأن عتق مستحق عليه فأجبر عليه كما لو نذر عتقه‏.‏

والثاني‏:‏ لا يجبر عليه لأن الشرط لا يجوب فعل المشروط كما لو شرط رهنا أو ضمينا لم يجبر ولكن يثبت للبائع خيار الفسخ كمشترط الرهن فإن مات العبد رجع البائع على المشتري بما نقصه شرط العتق وإن كان المبيع أمة فأحبلها أعتقها وأجزأه لأن الرق باق فيها‏.‏

الرابع‏:‏ ما لا ينافي مقتضى العقد ولا هو من مصلحته وهو نوعان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يشترط عقدا آخر مثل أن يبيعه بشرط أن يبيعه عينا أخرى أو يؤجره أو يسلفه أو يشتري منه أو يستسلف فهذا شرط فاسد يفسد العقد به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع‏]‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث صحيح ونهى عن بيعتين في بيعة وهذا منه‏.‏

الثاني‏:‏ أن يشترط المشتري منفعة البائع في المبيع فيصح إذا كانت معلومة مثل أن‏.‏

يشتري ثوبا ويشترط على بائعه خياطه قميصا أو فلعة ويشترط حذوها نعلا أو حطبا ويشترط حمله لأن محمد بن مسلمة اشترى من نبطي جرزة حطب وشرط عليه حملها واشتهر ذلك فلم ينكر ولأنه بيع وإجارة فصح كما لو باعه عبده وأجره داره في عقد واحد وقال الخرقي‏:‏ إن شرط مشتري الرطبة جزها على بائعها بطل العقد فيحتم أن يخص قوله بهذه الصورة وشبهها لإفضائه إلى التنازع فإن البائع يريد قطعها من أعلاها لتبقى له منها بقية والمشتري يريد الاستقصاء عليها ويحتمل أن يعدى حكمها إلى كل عقد شرط فيه منفعة البائع لأنه شرط عقدا في عقد فأشبه ما قبله وقال القاضي‏:‏ أم أجد بما قال الخرقي رواية في المذهب والمذهب جوازه فإن شرط شرطين مثل أن اشترط خياطة الثوب وقصارته وفي الحطب حمله وتكسيره أو اشترط منفعة البائع واشترط البائع منفعة المبيع مدة معلومة فسد العقد لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا شرطان في بيع‏]‏ وإن شرط منفعة معلومة لم يصح لإفضائه إلى التنازع‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن شرط في البيع أنه إن باعه فهو أحق به بالثمن‏]‏

فإن شرط في البيع أنه إن باعه فهو أحق به بالثمن ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يصح لأنه شرطان في بيع لأنه شرط أن يبعه إياه وأن يعطيه إياه بالثمن ولأنه شرط ينافي مقتضى العقد لأنه شرط أن لا يبيعه لغيره‏.‏

والثانية‏:‏ يصح لأنه يروى عن ابن مسعود أنه اشترى أمة بهذا الشرط وإن قلنا بفساده فهل يفسد ‏[‏به‏]‏ البيع‏؟‏ فيه روايتان‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بم يحصل الملك‏؟‏‏]‏

وكل موضوع فسد العقد لم يحصل به ملك وإن قبض لأنه مقبوض بعقد فاسد فأشبه ما لو كان الثمن ميتة ولا ينفذ تصرف المشتري فيه وعليه رده بنمائه المنفصل والمتصل وأجرة مثله مدة مقامه في يديه ويضمنه إن تلف أو نقص بما يضمن به المغصوب لأنه ملك غيره حصل في يده بغير إذن الشرع أشبه المغصوب ولا حد عليه إن وطئ للشبهة وعليه مهر مثلها وأرش بكارتها إن كانت بكرا والولد حر لأنه وطء شبهة ويلحق نسبة به ذلك ولا تصير به الجارية أم ولد لأنها ولدت في غير ملك وإن حكمنا الشرط وحده فقال القاضي‏:‏ يرجع المشتري بما نقصه لأنه إنما سمح به لأجل الشرط فإذا لم يحصل رجع بما سمح به‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏البيع بعد النداء للجمعة‏]‏

ولا يحل البيع بعد النداء للجمعة قبل الصلاة لمن تجب عليه الجمعة لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع‏}‏ فإن باع لم يصح للنهي ويجوز ذلك لمن لا تجب عليه الجمعة لأن الخطاب بالسعي لم يتناوله فكذلك النهي والنداء الذي به السعي والنهي هو الثاني الذي يكون عند صعود الإمام المنبر لأنه الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعلق الحكم به وإنما زاد الأول عثمان رضي الله عنه وفي النكاح والإجارة وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ حكمهما حكم البيع لأنهما عقدا معاوضة‏.‏

والثاني‏:‏ يصحان لأنهما غير منصوص عليهما وليسا في معنى المنصوص عليه لأنهما لا يكثران فلا تؤدي إباحتهما إلى ترك الجمعة بخلاف البيع‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏التسعير‏]‏

ولا يحل التسعير لما روى أنس قال‏:‏ غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا‏:‏ يا رسول الله قد غلا السعر فسعر لنا فقال‏:‏ ‏[‏إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق إني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد يطلبني بمظلمة‏]‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث صحيح‏.‏

ولأنه ظلم للبائع بإجباره على البيع سلعته سلعته بغير حق أو منعه من بيعها بما يتفق عليه المتعاقدان وهو من أسباب الغلاء لأنه يقطع الجلب ويمنع الناس من البيع فيرتفع السعر‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الاحتكار‏]‏

والاحتكار محرم لما روى سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من احتكر فهو خاطئ‏]‏ رواه مسلم وأبو داود‏.‏

والاحتكار المحرم‏:‏ ما جمع أربعة أوصاف أن يشتري قوتا يضيق به على الناس في بلد فيه ضيق فأما الجالب فليس بمحتكر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏الجالب مرزوق والمحتكر ملعون‏]‏ ولأنه لا ضرر على الناس على جلبه ومن استغل من أرضه شيئا فهو كالجالب ولا يمنع من احتكار الزيت وما ليس بقوت لأن سعيد بن المسيب راوي الحديث كان يحتكر الزيت ومن اشترى في حال الرخص على وجه لا يضيق على أحد فليس بمحتكر لأنه لا ضرر فيه بل ربما كان نفعا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع التلجئة‏]‏

وبيع التلجئة‏:‏ وهو أن يخاف الرجل ظالما بأخذ ماله فيواطئ رجلا يظهر بيعه إياه ليحتمي بذلك ولا يردان بيعا حقيقيا فلا يصح لأنهما ما قصداه فهو كبيع المكره‏.‏

باب‏:‏ الخيار في البيع

وهو على ضربين‏:‏

أحدهما‏:‏ خيار المجلس فلكل واحد من المتبايعين الخيار في فسخ البيع ما لم يتفرقا بأبدانهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏البيعان في الخيار ما لم يتفرقا‏]‏ متفق عليه والتفرق‏:‏ أن يمشي أحدهما عن صاحبه بحيث إذا كلمه الكلام المعتاد في المجلس لا يسمعه لأن ابن عمر كان إذا بايع رجلا فأراد أن لا يقيله مشى هنيهة ثم رجع وهو راوي الحديث وأعلم بمعناه ولأن الشرع ورد بالتفرق مطلقا فوجب أن يحتمل على التفرق المعهود وهو يحصل بما ذكرناه فإن لم يتفرقا بل بني بينهما حاجز أو أرخي بينهما ستر أو نحوه أو ناما أو قاما عن مجلسهما فمشيا معا فهما على خايرهما لأنهما لم يتفرقا وإن فر أحدهما من صاحبه بطل خيارهما لأن ابن عمر كان يفارق صاحبه بغير أمره ولأن الرضى في الفرقة غير معتبر كما لا يعتبر الرضى في الفسخ وإن أكرها على التفريق ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يبطل الخيار لأنه لا يعتبر الرضى من أحد الجانبين فكذلك منهما‏.‏

والثاني‏:‏ لا يبطل لأنه معنى يلزم به البيع فلا يلزم به مع الإكراه كالتخاير فعلى هذا يكون الخيار لهما في المجلس الذي زال عنهما الإكراه فيه حتى يفارقاه فإن أكره أحدهما بطل خيار الآخر كما لو هرب منه وللمكره الخيار في أحد الوجهين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن تبايعا على أن لا خيار بينهما‏]‏

فإن تبايعا على أن لا خيار بينهما أو قالا‏:‏ بعد البيع اخترنا إمضاء العقد أو أجزنا العقد ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ هما على خيارهما لعموم الخبر‏.‏

والثانية‏:‏ لا خيار لهما لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يخير أحدهما صاحبه فإن خير أحدهما صاحبه فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع‏]‏ وفي لفظ‏:‏ ‏[‏المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يكون البيع كان على خيار فإن كان البيع عن خيار فقد وجب البيع‏]‏ متفق عليهما وفي لفظ ‏[‏أو يقول أحدهما لصاحبه اختر‏]‏ رواه البخاري وهذه زيادة يجب قبولها فإن قال أحدهما لصاحبه‏:‏ اختر فسكت فخيار الساكت بحاله لأنه لم يوجد منه ما يبطله وفي خيار القائل وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يبطل للخبر ولأنه جعل الخيار لغيره فلم يبقى له شيء‏.‏

والثاني‏:‏ لا يبطل كما لو قال لزوجته‏:‏ اختاري فسكتت لم يبطل خياره في الطلاق‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏خيار المجلس‏]‏

ويثبت خيار المجلس في كل بيع للخبر ولأنه شرع للنظر في الحظ وهذا يوجد في كل بيع وعنه‏:‏ لا يثبت في الصرف والسلم وما يشترط فيه القبض في المجلس لأنه لا يثبت فيه خيار الشرط‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏خيار الشرط‏]‏

الضرب الثاني‏:‏ خيار الشرط نحو أن يشترط الخيار في البيع مدة معلومة فيجوز بالإجماع ويثبت فيما يتفقان عليه من المدة المعلومة وإن زادت على ثلاث لأنه حق يعتمد الشرط فجاز ذلك فيه كالأجل ويجوز شرطه لأحدهما دون صاحبه ولأحدهما أكثر من صاحبه لأنه ثبت بشرطهما فكان على حسبه ولو اشترى شيءين صفقة واحدة وشرط الخيار في أحدهما بعينه صح وإن شرطه في غير معين منهما أو لأحد المتبايعين غير معين لم يصح لأنه مجهول فأشبه بيع أحد العبدين وإن شرط الخيار الأجنبي صح وكان مشترطا لنفسه موكلا لغيره فيه لأنه أمكن تصحيحه على هذا الوجه فتعين ولمشترط الخيار الفسخ بغير رضى الأجنبي وللأجنبي الفسخ إلا أن يعزله المشترط ولو شرط الخيار للعبد المبيع صح لأنه كالأجنبي وقال القاضي‏:‏ إن جعل الأجنبي وكيلا فيه صح وإن أطلق الخيار لفلان أو قال‏:‏ هو لفلان دوني لم يصح لأن الخيار جعل لتحصيل الحظ للمتعاقدين بنظرهما فلا يكون لمن لا حظ له وإن كان العقد وكيلا فشرط الخيار للمالك صح لأن الحظ له وإن جعله للأجنبي لم يصح لأنه ليس له توكيل غيره وإن شرط لنفسه صح لأن له النظر في تحصيل الحظ وإن قال‏:‏ بعتك على أن أستأمر فلانا في مدة معلومة صح وله الفسخ قبل استئماره لأن ذلك كناية عن الخيار وإن لم يجعل له مدة معلومة فهو كالخيار المجهول‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏اشتراط الخيار‏]‏

وإذا شرط الخيار إلى طلوع الشمس أو غروبها أو إلى الغد أو إلى الليل صح لأنه وقت معلوم ولا يدخل الغد ولا الليل في مدة الخيار لأن إلى للغاية وموضوعها لفراغ الشيء وانتهائه وإن شرطاه ثلاثا أو ساعات معلومة فابتدأ مدته من حين العقد لأنها مدة ملحقة بالعقد فكان بدؤها منه كالأجل ولأن جعله من حين التفريق يفضي إلى جهالته لأنه لا يدري متى يفترقان ويحتمل أن يكون بدء مدته من حين التفريق لأن الخيار ثابت في المجلس حكما فلا حاجة إلى إثباته بالشرط فعلى هذا إن جعلا بدأه من العقد صح لأن بدايته ونهايته معلومان ويحتمل أن لا يصح لأن ثبوت الخيار بالمجلس يمنع ثبوته بغيره وعلى الوجه الأول لو جعلا بدأه من التفريق لم يصح لجهالته‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن شرطا خيارا مجهولا‏]‏

فإن شرطا خيارا مجهولا لم يصح لأنها مدة ملحقة بالعقد فلم تصح مجهولة كالتأجيل وهل يفسد العقد به‏؟‏ على روايتين وعنه‏:‏ أنه يصح مجهولا لقوله عليه السلام‏:‏ ‏[‏المسلمون على شروطهم‏]‏ رواه الترمذي‏:‏ وقال حديث حسن صحيح فعلى هذا إن كان الخيار مطلقا مثل أن يقول‏:‏ لك الخيار متى شئت أو إلى الأبد فهما على خيارهما أبدا أو يقطعاه وإن قال‏:‏ إلى أن يقدم زيد أو ينزل المطر ثبت الخيار إلى زمن اشتراطه أو يقطعاه قبله وإن شرطاه إلى الحصاد أو الجذاذ ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ هو مجهول لأن زمن ذلك يختلف فيكون كقدوم زيد‏.‏

والثانية‏:‏ يصح لأن مدة الحصاد تتقارب في العادة في البلد الواحد فعفي عن الاختلاف فيه وإن شرطه إلى العطاء يريد وقت العطاء صح لأنه معلوم وإن أراد نفس العطاء فهو مجهول لأنه يتقدم ويتأخر وإن شرط الخيار شهرا يوما يثبت ويوما لا ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يثبت في اليوم لأول لأنه معلوم يلي العقد ويبطل فيما بعده لأنه إذا لزم لم يعد إلى الجواز ويحتمل أن يبطل الشرط كله لأنه شرط واحد فإذا فسد في البعض فسد في الكل‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الفسخ لمن له الخيار‏]‏

ولمن له الخيار الفسخ من غير حضور صاحبه ولا رضاه لأنه عقد جعل إلى اختياره فجاز مع غيبة صاحبه وسخطه كالطلاق ومتى انقضت مدته قبل الفسخ لزم العقد على كل حال لأنها مدة ملحقة بالعقد فبطلت بانتهائها كالأجل ويبطل الخيار بالتخاير كما يبطل خيار المجلس به ولو ألحقا بالعقد خيارا بعد لزومه لم يلحقه لأنه عقد لازم فلم يصر جائزا بقولهما كالنكاح وإن فعلا ذلك في مدة الخيار جاز لأنه جائز فجاز إبقاؤه على على جوازه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏انتقال الملك إلى المشتري في بيع الخيار‏]‏

وينتقل الملك إلى المشتري في بيع الخيار بنفس العقد‏.‏

وعنه‏:‏ لا ينتقل إلا بعد انقضائه لأنه عقد قاصر لا يفيد التصرف فلم ينقل الملك كالهبة قبل القبض والأول ظاهر المذهب لأن البيع سبب لنقل الملك فنقل عقيبه كالمطلق ولأنه تمليك فأشبه المطلق وليس منع التصرف لقصور السبب بل لتعلق حق البائع بالمبيع وما يحصل من غلة المبيع في مدة الخيار ونمائه المنفصل فهو للمشتري سواء فسخا العقد أو أمضياه لأنه نماء ملكه الداخل في ضمانه ولأنه من ضمانه فيدخل في قوله عليه السلام‏:‏ ‏[‏الخراج بالضمان‏]‏ وعلى الرواية الأخرى هو للبائع والحكم في ضمانه كالحكم في ضمان المبيع المطلق‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏التصرف في المبيع في مدة الخيار‏]‏

وليس لواحد من المتبايعين التصرف في المبيع في مدة الخيار لأنه ليس بملك للبائع فيتصرف فيه ولا انقطعت عنه علاقته فيتصرف فيه المشتري فإن تصرفا بغير العتق لم ينفذ تصرفهما لذلك وعنه في تصرف المشتري‏:‏ أنه موقوف إن فسخ البائع بطل وإن لم يفسخ صح لعدم المبطل له ذكرها ابن أبي موسى وإن كان الخيار للمشتري وحده صح لذلك وإن أعتق المشتري العبد عتق لأنه عتق من مالك تام الملك جائز التصرف فنفذ كما بعد المدة فإن قلنا‏:‏ الملك للبائع نفذ عتقه ولا ينفذ عتق من لا ملك له لأنه عتق من غير مالك فأشبه الأجنبي وفي الوقف وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ هو كالعتق لأنه تصرف يبطل الشفعة والصحيح‏:‏ أنه لا ينفذ لأنه لا يبنى على التغليب ولا يسري إلى ملك الغير أشبه البيع‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏وطئ المشتري الجارية‏]‏

فإن وطئ المشتري الجارية فلا حد عليه ولا مهر وإن ولدت منه فالولد حر ولا تلزمه قيمته وتصير أم ولد لأنه وطئ مملوكته وإن وطئ البائع فعليه المهر لأنه وطئ في غير ملك وإن علم التحريم فولده رقيق لا يلحقه نسبه كما لو وطئ بعد المدة وإن جهل التحريم فلا حد عليه وولده أحرار وعليه قيمتهم يوم الولادة لأنه يعتقد أنه يحبلها في ملكه فأشبه المغرور من أمة ولا تصير أم ولد بحال قال بعض أصحابنا‏:‏ وعليه الحد إن علم التحريم وأن البيع لا ينفسخ به وذكر أن أحمد نص عليه لأن وطأه لم يصادف ملكا ولا شبهة ملك والصحيح انه لا حد عليه لأن أهل العلم اختلفوا في ملكه لها وحل وطئها وهذه شبهة يدرأ الحد بها ولأن ملكه يحصل بوطئه فيحصل تمام وطئه في ملكه فلا يجب الحد به وإن قلنا بالرواية الأخرى انعكست هذه الأحكام‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏وطء البائع‏]‏

وطء البائع فسخ للبيع لأنه دليل على الاسترجاع فأشبه من أسلم على أكثر من أربع فوطئ إحداهن كان اختيارا لها ووطء المشتري رضى بالمبيع وإبطال لخياره لذلك وسائر التصرفات المختصة بالملك كالعتق والكتابة والبيع والوقف والهبة والمباشرة واللمس للشهوة وركوب الدابة لسفر أو حاجة والحمل عليها وشرب لبنها وسكنى الدار وحصاد الزرع ونحوه إن وجد من المشتري بطل خياره لأنه يبطل بالتصريح بالرضى فبطل بدلالته كخيار المعتقة يبطل بتمكينها زوجها من وطئها وإن تصرف البائع بذلك ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ هو فسخ للبيع لذلك والآخر لا يكون فسخا لأن الملك انتقل عنه فلم يكن تصرفه استرجاعا كمن وجد ماله عند مفلس فتصرف فيه وقال أبو الخطاب‏:‏ هل يكون تصرف البائع فسخا للبيع وتصرف المشتري رضى بالبيع وفسخا لخياره‏؟‏ على وجهين وأما ركوب المشتري الدابة لينظر سيرها وطحنه على الرحى ليختبرها فلا يبطل الخيار لأن الاختيار هو المقصود بالخيار وإن استخدم العبد ليختبره لم يبطل خياره لذلك وإن استخدمه لغير ذلك ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يبطل خياره لأنه تصرف منه أشبه الركوب للدابة‏.‏

والثانية‏:‏ لا يبطل لأنه لا يختص الملك أشبه النظر وإن قبلت الجارية المشتري لشهوة لم يبطل خياره لأنها قبلة لأحد المتابعين فلم يبطل خياره كقبلتها للبائع ولأنا لو أبطلنا خياره بهذا أبطلناه من غير رضاه بالمبيع ولا دلالة عليه ويحتمل أن يبطل خياره إذا لم يمنعها لأن إقراره عليه رضى به‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏عتق المشتري الجارية أو استولدها‏]‏

وإن أعتق المشتري الجارية أو استولدها أو أتلفت المبيع أو تلف في يده لم يبطل خيار البائع لأنه لم يوجد منه رضى بإبطاله وله أن يفسخ ويرجع ببدل المبيع وهو مثله إن كان مثليا وإلا قيمته يوم أتلفه وعنه‏:‏ أن خياره يبطل بذلك اختارها الخرقي لأنه خيار فسخ فبطل بتلف المبيع كخيار الرد بالعيب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏موت أحد المتبايعين‏]‏

وإن مات أحد المتبايعين بطل خياره ولم يثبت لورثته لأنه حق فسخ لا يجوز الاعتياض عنه فلم يورث كخيار الرجوع في الهبة ويتخرج أن يورث قياسا على الأجل في الثمن وإن جن أو أغمي عليه قام وليه مقامه لأنه قد تعذر منه الاختيار مع بقاء ملكه وإن خرس ولم يفهم إشارته فهو كالمجنون وإن فهمت إشارته قام مقام لفظه وإن مات في خيار المجلس بطل خياره وفي خيار صاحبه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يبطل لأن الموت أعظم الفرق‏.‏

والثاني‏:‏ لا يبطل لأن الفرقة بالأبدان لم تحصل‏.‏